تعلّم

أزمة الركود الاقتصادية

جدول المحتويات

تداولت العديد من الأخبار الاقتصادية مؤخرا نبأ هام عن توقع اقتراب أزمة الركود الاقتصادي الجديدة، وخاصة بعد ما حدث في آخر جلسات تداول الأسهم في البورصة الأمريكية والانخفاض الحاد المفاجىء في مؤشراتها، والذي يعد الأكبر في تاريخ البورصة الأمريكية منذ يونيو 2020. الأمر الذي تنبئ توابعه بازدياد معدلات التضخم والتي ستقود إلى ركود اقتصادي حاد لفترة طويلة. ومن المعروف أن فترات الركود لا تؤثر على الجميع بنفس الطريقة حيث يتباين التأثير على حسب حجم الشركات والإجراءات التي يتم اتخاذها سواء كانت شركات كبرى أو صغيرة، وعلى أثر ذلك فإن بعض الصعوبات يمكن التنبؤ بها بناءً على نوع وحجم الأعمال التي تقوم بها الشركات. فقد تواجه شركة ناشئة صغيرة نوعا من مشكلات التدفق النقدي خلال فترات الركود حيث يقوم العملاء بتأخير دفع الفواتير، في حين أن الشركات الأكبر حجما قد تكون قادرة على توفير المال عن طريق تقليل الوظائف والتفاوض على عروض أفضل مع موردين المواد التجارية لها.

وفي هذا المقال سوف نوضح لك ما هي أزمة الركود الاقتصادي، وكيف يمكن أن يساعدك فهم كيفية تأثير الانكماش الاقتصادي على شركتك الناشئة أو عملك الريادي، وضمان عدم تحولك إلى أحد ضحايا الركود التالي.

تعريف الركود الاقتصادي

يمكننا صياغة تعريف الركود في أنه فترة من التخبطات المالية والاقتصادية عالميا أو محليا ناتجة من تراجع معدلات الاستهلاك وتفوق معدلات الإنتاج، والتي تتسبب في فقدان الوظائف وتقلص الناتج الاقتصادي (الانكماش الاقتصادي)، مع تراجع الإنفاق الاستهلاكي والاستثمار التجاري.

وهناك منظور آخر لتعريف الركود وقد تمت صياغته بناء على ما حدث للاقتصاد العالمي خلال فترات الركود السابقة، وفيه يتم تعريف أزمة الركود الاقتصادي على أنها انخفاض ربعين متتاليين في الناتج المحلي الإجمالي (6 أشهر متتالية)، وينتج ذلك من عدم التوازن بين معدل الإنتاج ومعدل الاستهلاك.

ما الذي يسبب فترات الركود؟

تحاول العديد من النظريات الاقتصادية تفسير لماذا وكيف يمكن للاقتصاد أن يتراجع عن اتجاه النمو طويل الأجل وينتقل إلى الركود. ويمكن تصنيف هذه النظريات أنها تستند في طرحها إلى عوامل اقتصادية أو مالية أو نفسية مع بعضها مجتمعة لسد الفجوة في محاولة الفهم لماذا يحدث الركود.

ويحاول بعض الاقتصاديين التركيز على التغييرات الاقتصادية الواسعة التي تحدث مؤخرا، بما في ذلك التحولات الهيكلية في الصناعات باعتبارها الأكثر أهمية في شرح أزمة الركود الحالية. فعلى سبيل المثال قد يؤدي الارتفاع الحاد والمستمر في أسعار النفط بسبب أزمة جيوسياسية إلى زيادة التكاليف الاقتصادية للتصنيع وتراجع القدرة الشرائية للمصنعين وضعف الإنتاج. وعلى الجانب الآخر التكنولوجيا الصناعية الجديدة المتطورة والتي قد تجعل صناعات بأكملها يعفو عليها الزمن بسرعة مما سيؤثر أيضا على معدلات الاستهلاك، فيحدث ركود نتيجة توقف حركة البيع والشراء المفاجىء تجاه صناعة معينة.

وتفسر بعض النظريات حالات الركود في أنها تعتمد على تغير العوامل المالية بصورة أكبر. حيث تركز هذه الأطروحة عادة على معدلات نمو الائتمان وتراكم المخاطر المالية خلال الأوقات الاقتصادية الجيدة التي سبقت الركود، أو انكماش الائتمان والعرض والطلب على النقود في بداية الركود أو كليهما. وتعتبر النظرية النقدية التي تربط فترات الركود بالنمو غير الكافي في عرض النقود، مثالاً جيداً على هذا النوع من النظريات.

ويمكننا تلخيص أهم العوامل التي تسبب الركود بشكل عام في النقاط التالي:

  • أسعار الفائدة المرتفعة والتي تعتبر سببا للركود لأنها تحد من السيولة أو مقدار الأموال المتاحة للاستثمار.
  • زيادة التضخم حيث يشير التضخم إلى ارتفاع عام في أسعار السلع والخدمات خلال فترة زمنية معينة، و مع زيادة التضخم تنخفض النسبة المئوية للسلع والخدمات التي يمكن شراؤها بنفس المبلغ من المال.
  • انخفاض ثقة المستهلك وهو عامل آخر يمكن أن يسبب الركود فإذا اعتقد المستهلكون أن الاقتصاد سيء، من غير المرجح أن ينفقوا الأموال فثقة المستهلك نفسية ولكن يمكن أن يكون لها تأثير حقيقي على أي اقتصاد.
  • انخفاض الأجور الحقيقية ويشير ذلك إلى الأجور التي تم تعديلها لمراعاة التضخم، وانخفاض الأجور الحقيقية يعني أن أجر العامل لا يواكب التضخم. فقد يكسب العامل نفس المبلغ من المال، ولكن قدرته الشرائية قد انخفضت.

كيف حدثت أزمة الركود الاقتصادي الحالية؟

يمكننا تشبيه سلسلة الأحداث التي أدت إلى الركود بتأثير سقوط حجر دومينو واحد على بقية القطع الأخرى (the domino effect) . ففي حالة الركود الاقتصادي يرتبط كل حدث بشيء ما حدث من قبل وشيء آخر سيحدث في المستقبل. تخيل بأنك عميل لمطعم وجبات سريعة، فإذا ارتفع سعر الهامبرغر فقد تتوقف عن شرائه حتى لا تحدث عجزا في ميزانيتك الشهرية. وهذا من شأنه أن يؤثر على دخل المطعم والذي سيؤثر بدوره على عدد العمالة داخل المطعم، وهكذا هناك العديد من السلاسل المترابطة مثل هذه الفكرة في جميع أنحاء الاقتصاد.

وقد سقطت أول قطعة دومينو في الدورة الاقتصادية الحالية منذ العام الماضي والتي صاحبها موجة ارتفاع الأسعار التي أدت إلى التضخم المالي الحاد، وطوال عام 2021 ساء التضخم تدريجيا فعمليا كل شيء أصبح أكثر تكلفة. وأصبحت قطع غيار السيارات أكثر تكلفة، ثم أصبحت السيارات أكثر تكلفة، وشهدت العديد من المنتجات تأثير مماثل. ليظهر رد فعل الاحتياطي الفيدرالي لأول مرة منذ بداية التضخم، وهو المسؤول عن التحكم في معدلات التضخم. حيث قام في مطلع مارس من العام الحالي برفع أسعار الفائدة لأول مرة منذ بدء الوباء. ومن المفترض أن يؤدي رفع أسعار الفائدة إلى زيادة تكلفة اقتراض الأموال حتى يتوقف الناس عن الإنفاق كثيرا. وفي البداية بدا الأمر وكأنه نجح واعتقد الكثير أن التضخم سيتباطأ، ولكن بعد ذلك تسبب الغزو الروسي المطول لأوكرانيا في مجموعة من المشاكل الاقتصادية ليرتفع التضخم إلى أقصاه مرة أخرى.

كيف تتأثر الشركات الناشئة ورواد الأعمال بأزمة الركود الاقتصادي؟

في حالة الشركات الناشئة والصغيرة فإن النقص في الموارد المالية وارتفاع الأسعار الحاد، يترك الغالبية العظمى من الشركات الصغيرة مع قدر أقل من الحماية المالية، والقوة السوقية، والرافعة المالية داخل صناعتها للتغلب على الأوقات الصعبة التي يجلبها الركود.
ويعرف أصحاب رؤوس الأموال الاستثمارية ومانحي القروض ذلك جيدا، الأمر الذي يجعلهم أقل حماسا بشأن إقراض شركة دون احتياطيات نقدية كبيرة، وأصول رأسمالية يمكن أن تكون بمثابة ضمان خلال فترات عدم اليقين المتزايدة ومخاطر الأعمال المرتبطة بالركود.

وعلى عكس الشركات المسجلة في البورصة، لا تستطيع الشركات الصغيرة عادةً جمع الأموال عن طريق بيع الأسهم في عرض ثانوي أو إصدار سندات حتى لسد عجز الموازنة المالية لديها. وعلى النقيض من أصحاب العمل الكبار في الصناعات عالية القيمة، لا تستطيع الشركات الصغيرة الفاشلة أيضا الضغط على الحكومة للحصول على المساعدة.

وأما عن تأثر مستقبل ريادة الأعمال بشكل كبير بسبب التضخم والركود في وقتنا الحالي، فمازالت معالم الوضع الحالي غير مكتملة، وبالمقارنة في فترة التضخم أثناء الجائحة والتي صمدت خلالها العديد من الشركات الناشئة مازلنا قيد التنبؤ بما سيحدث، ولكن قراءة المشهد الحالي بالتأكيد ستؤثر في الإجراءات التي ستتخذها العديد من الشركات الريادية.

والوقت وحده هو الذي سيحدد ما إذا كان البنك الفيدرالي يمكنه السيطرة على التضخم، وتحقيق الاستقرار في الاقتصاد. فالبنك المركزي في طريقه لرفع أسعار الفائدة بشكل كبير مرة أخرى هذا العام، وهناك دلائل على أن هذه التحركات تؤتي ثمارها بالفعل. حيث إن سوق الإسكان هدأت فيها حركة التداول ولكنها لم تنهار. وتتباطأ جيوب سوق العمل على الرغم من أن عمليات التسريح الجماعي للعمال لم تبدأ بعد. وأما عن وقتنا الحالي فالتضخم مستمر في الوصول إلى قمم جديدة، و تستمر قطع الدومينو في السقوط، ولكن يأمل صانعو السياسة أن تستقر سلسلة الأحداث هذه في النهاية، وتستقر المؤشرات الاقتصادية في مطلع العام القادم.

يمكنك أيضا قراءة المزيد لدينا عن: لماذا تفشل الشركات الريادية رغم التمويل الضخم! أهم الأسباب

خطوات بزنس

خطوات بزنس

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جدول المحتويات

أحدث ما كُتب